• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ماذا يعني القانون؟

أسرة البلاغ

ماذا يعني القانون؟

◄لو تأملنا في عالمنا القائم من حولنا، وفي أنفسنا وطبيعة مجتمعنا، ونسيج العلاقات والأحداث في محيطنا.. لوجدنا، أنّ كلَّ شيء في هذا الوجود يسير وفق نظام متقن، ويقوم على أساس حساب دقيق موزون.

فالوجود وما فيه، من عوالم الفكر والمجتمع والحياة والطبيعة يخضع بطبيعة وجوده، وكيفية تحركه، وترابط عناصره لحقائق كونية تنظم سيره، وتحدد دوره وغايته، وتحفظ نشاطه وفعالياته.. فاللّغة وكيفية استعمالها.. والأصوات وأسلوب النطق بها، والتفكير وطريقة ممارسته.. والفكر ومنهج تحركه، والإرادة وأسلوب تعاملها.. والنفس وكيفية تصرفها.. والغرائز والفطرة وما فيهما من نزوع ونشاط.. وامتداد وتعبير.

ومشاعر الحب والكراهية عند الإنسان، وامتداد تأثيرها في السلوك والعلاقات والمواقف.

وظهور الجريمة والتوتر في المجتمع.. أو الرّقي والسّقوط في الحضارة وحركة التّاريخ.

وكذا ارتفاع الأجور والأسعار وانخفاضها، وتراكم السّلع وندرتها واختفاؤها.

أو حفظ الصّفات الوراثية في عالم الأحياء ومعادلة ظهورها واختفائها.

وانتشار الكواكب والذّرات والمجاميع الكونية في مداراتها.. إلخ.

إنّ كلَّ تلك الظواهر الكونية والإنسانية.. وما يرتبط بها أو يقف خلفها، ويصاحبها من تحول أو تغير.. أو توالد وحدوث وفناء يجري في عالم المادة أو الفكر والحياة..

إنّ كلّ ذلك يحدث ويسير ويرتبط بغيره ويؤثر أو يتأثر وفق كيفية معينة، وبكمية محددة، وبصورة اجرائية خاصة.

وهذه الكيفيات الاجرائية والصيغ التنظيمية للموجودات والظواهر والأحداث المختلفة نطلق عليها اسم "القانون".

وبهذا الاعتبار ندرك أنّ الضرورة القانونية، حقيقة كونية جارية على كلِّ موجود.. من أحداث وأسباب وظواهر وموضوعات.. سواء أكانت طبيعية أم اجتماعية..

وبسحب هذه القاعدة الضرورية الكلية على النشاط والسّلوك الإنساني والتّعامل الاجتماعي نكتشف أنّ حياة الإنسان لابدّ لها من صياغة قانونية وفق طريقة ومنهج يحفظ لها وجودها ويحقق لها أهدافها الإنسانية المعبرة عن طبيعة تكوينها ليفتح لها قنوات الانتشار، ومنافذ التعبير المنضبط. ويخطط لها تصميم السير والعلاقات.

وهذا التصميم والتنظيم للعلاقات الإنسانية في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع.. إلخ عندما يصاغ على شكل قواعد تنظيمية محددة هو الذي نسميه قانوناً أو شريعة أو حدوداً[1] والتي تدخل جميعاً في دائرة الدين وتشكل جزءاً منه، ذلك لأنّ دائرة الدين تكون أوسع من تنظيم العلاقات الإنسانية الخارجية في مجالها الاجتماعي، لأنّها تشمل تنظيم الذات الداخلية وبناءها الأخلاقي، كما تشمل العقيدة والعبادات والنشاطات الفردية التي يؤديها الإنسان مفرداً كالطهارة والأكل والشرب واللباس والتفكير.. إلخ.

وإذن فالقانون بصيغته الاجتماعية هو عبارة عن: (القواعد العامة المجرّدة التي تنظّم سلوك الأفراد وتقترن بجزاء توقعه السلطة المختصة عند الاقتضاء).. وينطبق هذا التعريف عن القانون الوضعي والإسلامي.. غير أنّ القانون الإسلامي يهتم بالنوايا، ويرتب العقاب الأخروي بالإضافة إلى العقاب الدنيوي على المخالف، كما أنّ المطيع يستحق الثواب الأخروي.

فالقانون يشمل مجالات المال والقضاء والتجارة والسياسة والحكم والإدارة والجهاد وعلاقات الأرض والعمل والأسرة.. إلخ.

ومن هذا العرض يتضح لنا أنّ الغرض من وجود القانون الشرعي، هو: إدخال كلّ نشاط وعلاقة إنسانية ظاهرة بين الأفراد والجماعات والدول في دائرة التنظيم والضبط الحسابي الموزون. لأنّ الوجود في عرف الإسلام لا يعرف الفوضى ولا العبث والضياع. وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم موضحاً بقوله:

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/ 115).

(.. وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان/ 2).

(.. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد/ 8).

(.. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة/ 48).

الهامش:


[1]- إنّ كلَّ حكم من أحكام الإسلام هو قانون إلّا اننا حصرنا في هذا التعريف مفهوم القانون في المجال الاجتماعي جرياً مع المصطلحات الفنية المتداولة.

ارسال التعليق

Top